الاثنين، 29 نوفمبر 2010

الفصول الأربعة

يتناثر فيفالدي في فصوله الأربعة حاملا معه أقاصيص سعادات كثيرة، يعزف كما لو أنه يأخذ العالم بين كفيه لينام في دعة وطمأنينة.
فيفالدي يُسارع الخطو ثم يبطئها فيعجل بانسياب الروح معيدا صياغتها.
الموسيقى عند فيفالدي تراكم خبرات روحية طويلة، استيطان في مذاهب شتى، وتحولات تأخذ بالقلب من شغافه فتمرح به في شجنه، وتسكنه وجعها عند فرحه.
"الفصول الأربعة" تحكي حكايات كثيرة، ترسل أنغامها كما لو أنها تروي قصص حضورها وغيابها.
تتمادى فصوله وتذهب في عفوية بكورتها مستعيدة نوما بعيدا في أرجوحة دلال طفولة غضة، تتمايل كثيرا وهي تعبر من حافة وجع إلى حافة أمل، تلملم بشغف حنون سكة الوتر.
مع فيفالدي لا يعود الكمان مجرد صوت موسيقى.. تهتزُّ الأوتار بين أصابع يديه لترسم حالات إنسانية متتالية، كأنما يكتب متوالية الكون فيجمع في قبضة من موسيقى مبادىء الحياة ومدارسها.
كمان فيفالدي يأتي مترعا بشجن دفين يشقّ النفس فيفتح مساربها.. تصير أوتاره حرة وهي تتراقص أمامه خيالات كثيرة.
يرحل صوت الكمان بعيدا كأنما يسافر إلى أراض نائية.. وما ان تلتفت إلى خفوته حتى يعود قويا، يصاعد صوته من تحليقه.

أستمع الى "الفصول الأربعة" كلما آلمني وقت، أسارع إلى تعدد ايقاعاتها فيتعدد نبضي، وأسارع الى فيفالدي في لحظات فرحي أقطف منه رقصة تمزج كف الروح بكف الجسد.
موسيقى فيفالدي ثمرة تُقطف في نضوجها، وفصوله الأربعة كانت محطة أولى أخذتني لأعيش في روائع الكلاسيكيات العالمية،  ولذلك ارتبطت موسيقاه عندي بالبدايات الجميلة التي تترك آثارها العميقة في النفس.
فيفالدي مثل حب أول يعاود الذاكرة في مساماتها الأوسع، يمسح عن الجبين ثقل الوقت، ويبدد برفعة روحية عالية ما تناثر من يوم شقي.
الموسيقى تستطيع أن تحلق بمن يستمع إليها بقلبه.. وفيفالدي يستطيع أن يجبرنا على أن نستمع إليه بالقلب والعين والأذن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق