الأحد، 28 نوفمبر 2010

صور فوتوغرافية


يقول ياسر عبداللطيف في روايته "قانون الورثة": "أن تنظر إلى نفسك في المرآة مباشرة فأنت لا تراها، بل ترى عاطفتك نحوها التي تسبغ على الصورة المرسومة أمامك جمالا في كل الأحوال. أما أن تنظر إلى نفسك في المرآة عبر مرآة أخرى، فأنت تراها بمعزل عنها (...) تراها كموضوع خارجك. لكن إياك والاندياح وراء التكرار اللانهائي للصورة في الانعكاسات المتعاقبة، ذلك قد يمنحك وهما بالخلود".
في المرايا  تتسع الذاكرة، ويصير التاريخ معكوسا على المرآة خارج إطار العقل، تتكثف الطفولة ويتكثف الماضي.
الكتابة أيضا نوع من الخوض في المرايا وانعكاساتها إذ يعود الكاتب لحظة كتابته إلى ما حوله؛ ينظر الأشياء المتناثرة, يتخيّل اليد التي لامست الجدار الذي يستند عليه, ويتساءل عن الكرسي الذي يجلس عليه: من يا ترى صنعه؟ وأي يد اشتغلت على زخرفته؟ من هو الذي دق ذلك المسمار؟ ومن هو الذي زينه بتلك الوردة القانية؟ وأي إنسان هو ذاك الذي جلس عليه في البدء؟
بهذه الطريقة يرسم الكاتب كل ما يريده محاولا استجلاب الصور واستجوابها ومساءلتها, وكلما أغمض عينيه تراءت له أشباح الماضي حاضرة ببهاء كبير, يتدافع التاريخ ليصبح نصب عينيه في صور متلاحقة تأتي من أزمنة وأمكنة مختلفة لكنها تبعث موسيقاها الهادئة من حولها مثيرة حالة من استكانة إلى ماضٍ طفولي جميل.
كما أننا نفتح صور البوماتنا الفوتوغرافية القديمة, نقلب الصور التي بالأبيض والأسود, نحاول أن نتذكر الأمكنة ان نستعيدها من الماضي لنجلبها الى الحاضر ونعايشها مرة جديدة, فنحنّ  الى ماضينا مهما أثقل حيواتنا, لأننا سنراه مخففا من الألوان, سيصبح ضحكة كبيرة, لن تؤلمنا لأنها ببساطة أنستنا بكاء طفولاتنا.
يقول كافافيس في قصيدته "تحت المنازل":
"... وأمس, حين مررت بالشارع القديم/ الذي جعله سحر الحب, فجأة, جميلا.../ حين مررت بالدكاكين, والأرصفة, والأحجار/ والجدران والشرفات والنوافذ.../ لم يتخلف ثمة أي قبح./ عندما كنت واقفاً أنظر الى الباب/ واقفا, ومتمهلا تحت المنزل/ أخذ كياني كله يستعيد العاطفة التي أختزنها."
ففي الأمكنة نستعيد ذكرياتنا عبر العاطفة, نقف متمهلين أمام أطلال طفولاتنا, نحاول أن نلامس الجدران القديمة نفسها, نستعيد كل نأمة, ونستعيد كل خطوة, نصبح خفيفين وطائرين بلا أجنحة, حينها سنجد أنفسنا, في لحظاتها الحقيقية النقية, أي قبل أن تغترب عنا, فالانسان منا يكتشف نفسه من خلال علاقاته بمحيطه ووجوده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق