الاثنين، 29 نوفمبر 2010

عن الأبيض


قلت له: هل تعرف أن الأشباح تحب الرقص في القمصان البيضاء؟
قال: البياض مرعب.البياض مفتوح على آخره. البياض لا نهائي كأنه نهاية طويلة.
كأنه أبد أبيض.
قلت له: الأبيض أبيض حتى تمام بياضه. ليس من كسر فيه: فاضح في عريه، أبد- نعم، لكنه أبد ينطوي على حجة كبيرة للبقاء. وبالرغم من هذا فهو أبد ساطع في قوة تدنيسه، بضحكة خفيفة وكوب من شاي، بملعقة قهوة مضيئة، بكاتشاب، وبدبوس صغير ينغرس في أصبع اليد فيدميها. الأبيض الذي يفضح المعنى في عنفوانه، ويتألق عاليا مثل راية غالب، لكنه أيضا يعلن استسلامه.
فقال:مرة ذهب الأبيض إلى الحقل، فرأى أباه الأسود جالسا يبكي، وساله: لم تبكي يا أبي؟ فقال الأسود: أبكي أمك الخضراء.
واستزدته فزادني، وقال: نظر الأبيض في المرآة، فلم ير شيئا، ونظر في النهر، فلم ير شيئا، ونظر في الأرض فلم ير له ظلا. وفي المساء وحده، رأى كل شيئ.
وقلت له: مرة سألت الأبيض: لم تجتاحني؟ لم تعتركني وتقتلني؟ لم تأكل كل خبث في، بالرغم من أنني أحيطني بالأسود؟ لم تدميني، حينما البشر كلهم حدائق من ألوان، وحينما الضحكة في أفواههم سيوف وخناجر؟ مرة، التفت الأبيض إلى قلبي، فأرجفني.
وقال: .. وإذ يلتفت الأبيض إلى القلب، يولد خوف ومحبة، وتولد أحلام خائفة وسعيدة.
وقلت له: الأبيض إذن خائف يتلفت في عريّه ويميل عند كل هواء، يمحو بخطى واثقة ما سوّدته الأفكار.
وقلت له: يبرهن على غيابه بقوة حضوره، ويصطاد من حديقة الياسمين. يضحك غير عابئ بمواكب الألوان. يتلفت خشية أن يداعبه الأسود. يتأرجح خفيفا، ويتطهر من نفسه في نفسه.
وقال: أفكاره أخطاؤه، أخطاؤه مجده الحقيقي، مجده الوحيد الباقي. ولا يملك أن يكون أكثر بياضا، لكي يجدد ذاته، لكي يفنى في جنون بياضه.
وقال: لكل أبيض رائحة، ولكل لون رائحة سوى الأبيض: ضائع هكذا في روائح ضائعة.
وقلت له: إذن يبقى في مهب الريح، يعيش ضياعه ويفتتن به، مثل زهرة ياسمين تفني نفسها في نفسها.
فقال: الياسمين يكاد يجن.
وقلت: اصقل البياض بألوان البهجة، مرر أصابعك على جبينه، وخله يصرخ ألوانه، خله يقول.
فقال: الياسمين يخاف ملمسه، والأبيض أوسع من أحلامه بالبياض.
وقال: أبيض فرح. أبيض يكاد يطير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق