الاثنين، 29 نوفمبر 2010

عصفورة الشجن

تغني فيروز.. تفتح أبواب الصباح وتدخل.. دائما ظننتها من فروض الصباح.. فرضا جميلا ولذيذا يكاد يشقّ النفس بلهوه الحلو..
تغني وتفتح شباك الشمس بصوتها.. تستعير الجدائل لتمشط شعر طالبة تذهب إلى المدرسة بحقيبة فروضها.
قلتُ فيروز للصباح.. لشاطئه وهو يعانق وسادة النائم فيفتحها رويدا رويدا على النور، يتقلب النائم وهو يسمع صوت البحر في أذنيه.. يسمع رقتها وهي تقول: "أنا يا عصفورة الشجن مثل عينيك بلا وطن"، فيستفيق إلى الشجن يحلق في روحه مثل عصفورة الصباح.. مثلها.. مثل فيروز..
صوتها يؤلم ويبهج.. يهدي المشاعر بتساوٍ مطلق، الشجن والفرح.. الهدأة والضجيج.. الدمعة والضحكة..
تغني فيروز.. فيغني القلب.. تستسلم لها الصباحات صباحا وراء صباح.. تُسلمها الشمس مهمتها.. ويسلمها جارها القمر نوره الضئيل.. يذهب للنوم تاركا رعيته في مهبّ صوتها.. سعيدا ينام لأن الفم الذي سيغنيه يضيء بأكثر مما يضيء هو.
فيروز بصوتها الساحر لا تستأذن الدخول، تقتحم بلا مراودة، لا تقول، بل تستوي على عرشها رافعة الروح إلى أقصاها مشتغلة على الآهة تردد صداها في مدى الدم.
فيروز تغني في وجعها.. تغني في شجنها.. تقول للحظة، وتقول للذكرى.. تنده على العالم "ليالي الشمال الحزينة .. ضلي اذكريني اذكريني" ويتذكرها الحزن تماما مثلما يتذكرها الفرح. قلت أنها متساوية تُجيد لعبة العدل ويطمئن لها القلب فيهديها توقه إلى صوتها تستبيحه كما تشاء وتفرض عليه طاعتها..
فيروز الصباح.. جارة القمر.. وسفيرة الروح إلى أسسها..
لا أعرف لماذا عندما يردد عبد الحليم "فيروز الشطآن" أتذكر فيروز فقط تصير هي الشاطئ وهي البحر في مدّه وجزره.. في هروبه وفي إقباله.. يصير لونها مثله.. أيقونة ترفع الحسد عن الجسد وتراوغه بلونها الأشد عذوبة من الزبد وهو يسفر عن البحر.
تُطلق صوتها في المدى الذي تغني له فيسمعها، أنده أنا على المدى فلا يسمعني.. أستعير صوتها فيُقبل مجتمعا.
هل هو صوتها فقط، أم هي عذوبة الروح التي تقرأ الكلمات وتتهجأها حرفا وراء حرف حتى تشتدّ وتوغل في شدوها.
فيروز تغني "يا سنين اللي رح ترجعيلي .. ارجعيلي شي مرة ارجعيلي..ورديلي ضحكات اللي راحوا.. اللي بعدا بزاويا الساحات".. تضحك الساحات القديمة إذ تردد فيروز طرقاتها.. ورويدا تعود بالسنين إلى طفولتها الأولى وعذوبتها التي لا تُنسى.
فيروز تغني.. إفتحوا الأبواب..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق