الاثنين، 29 نوفمبر 2010

ميادة

أتت ذات يوم بعيد من بلدتها التي تنام على البحر، كانت تعرف الأسماك وأنواعها وتحلم ببحر تذوب فيه..
كانت تختبر الشتاء الأقرب إلى قلبها وتغادر الصيف تخاف شمسه فتختبئ.. تملح قدميها برمال الشاطئ وهي تواري ركبتها..
أتت ميادة إلى العاصمة.. كل ما تحمله ذكاء متقد ليس بوسعه أن يؤسس لمدينة أحلامها.. فالذكاء في المدن يقتل أصحابه، والذكاء في المجتمعات يقفل الطرق ويخيف..
ميادة فتاة عادية لها سمات البحر وسمرته، وعندما تنام في المساء تحلم بحب يعبر نومها ويمسح جبينها بعد نهار مضن.. تنام وتحلم بالبحر.. تنام وتحلم بالياسمين.. تنام وتحلم بقلب يتقد ذكاء مثلها تماما..
تشاهد ميادة الأفلام الرومانسية وتبكي.. تخاف على أحلامها وهي ترى الى بطلة الفيلم وهي تقتل أو يداس قلبها..
تنام ميادة ويدور شريط السينما مجددا في رأسها.. تبدله مرارا.. لتصحو على عجل إلى أعمال النهار..
تفتح الكتب وتقرأ.. تسأل عن أشياء لم تفهمها.. وتسعى من دون أن تعرف تعبا.. تسعى طويلا لتفهم..
عرفت ميادة منذ ثلاث سنوات..
أتت من بعيد تبحث لعائلتها عن أرض أوسع، مهمومة بطفل أختها الصغير، ومهمومة بأمها تنده عليها في نومها.. مهمومة بعسل الحقول، وبحبات الفول في أول طلعتها..
في ثلاث سنوات تبدلت ميادة كثيرا.. لم تتبدل روحها القلقة، ولم تغادرها أحلامها بل ظلت معها تكبر وتكبر..
صارت ميادة أكثر نضجا وهي تمدّ بأصابعها إلى الكتب..
لم تعد تبحث في عنوان الكتاب عن الحب.. صارت تعرف أن الحب أبعد من كلمة وأن المسافة بين الكلمة والحلم كبيرة..
اجتازت الأحرف العربية.. صارت تتحدث بكلمات انجليزية بسيطة.. تعلمت كيف ترعى بأصابعها في حقول لوحة مفاتيح الكومبيوتر..
بسرعة تعرفت إلى عالم آخر..
بسرعة صارت تصنع من الكلمات بحرا جديدا تغوص بقدميها فيه..
بسرعة صارت تبحث عن الفكر بأصابعها وهي تجوز المحركات التي تجد فيها كل شيء.. بسرعة صارت تكتب وتجرح بكلماتها..
ثلاث سنوات .. وميادة تستعجل الرحيل..
ثلاث سنوات وميادة تكتشف العالم بغبطة طفل..
تمر الأيام وميادة في غرفة مجاورة لي ترعى الأحرف.. وتنتظر بالكلمات بحرها الجديد.. لكنها إذ أمسكت بالبحر بعد كل تلك السنوات.. بدأت تحن الى بحرها الأول تزرع قدميها بملحه وهي تسير حافية فتجرحها صخوره..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق