الاثنين، 29 نوفمبر 2010

عين ثالثة

في المرآة وعند الصور الفوتوغرافية، في أعين الغير، وفي الذاكرة، عينان تتشبثان بالرؤية وتندهان على الصور، يتفتح الصباح بتفتحهما وينام الليل عند نومهما..
عينان لنرى ونقرأ، لنتعرف على الحرف في انصهاره بالكلمات، عينان ننظر من خلالهما العالم ونكتشف الآخر، وإذ تغيم الرؤية أو تغيب نقفل الذاكرة عن العالم ولا يتبقى لنا سوى لمس يشير وحواس أخرى تتفتح لتدلّ.
عينان في كل منهما بؤرة ضوء تجذب العالم وتأخذ منه نوره لتعيده إليها..
هل فكر أحدنا في يوم بعين ثالثة، عين أقرب إلى الصفاء والنور، عين ترى كما ليس بإستطاعة عينان يراهما العالم كله؟
هل فكر أحدنا بنور ساطع وقوي يمكن أن يَمسّ ويُمسّ؟ بنور يجاور الرؤية والرؤيا فيتفتح الكون إلى أسراب من حمائم وآفاق لا تنتهي بل تتكرر وتتكرر وهي تفتح صفحة وراء صفحة أسطورة الحياة وتاريخ الكون؟
هل فكر أحدنا بروحه وهي تضطرب إذ تعانق الجمال في قمة جباله؟ بروحه وهي تقرأ الكلمات وتتهجأها من دون شمس سوى شمس الذات؟
هل لامس أحدنا عينا ثالثة في وجهه فارتعدت أطرافه وهو يفكر كيف أقفلها لسنوات وظل في عمائه لا يرى؟
العين الثالثة هي عين الروح الأصدق في كشف الرؤية، الأكثر ملامسة للخدر.
العين الثالثة تفتح المسارب، تجوز النوافذ، لا تلتفت إلى الأبواب، تعبرها وتعبرها في رحيل سريع يبتغي الإنفلات إلى طبقات أوسع من السماء، وإلى معان أسمى في الوجود.
جلست إلى نفسي.. كنت أتنفس ببطء شديد وأنا مغمضة العينين أحاول أن أرى كما أخبرني رجل قال أنني لم أعرف الدنيا بعد، وأن ما رأيته ليس إلا بعض الرؤى.. كنت أحاول وأحاول وأنا أركز تفكيري في جبهتي حيث يلتقي الحاجبان، مرت دقائق ودقائق من دون أن أرى، كان الوقت يمضي ببطء شديد كأنه لا يلتفت إلى مروره ولا يدركه، فشلت لمرات ولكن إصراري على معرفة ما اختبره الرجل  جعلني أعيد التجربة، كنت في كل مرة أدخل في صفاء أوسع، وتنفتح لي الأبواب أكثر..
قال لي: كوني نقية.. واختبرت النقاء، خلصت نفسي من مشاعر مؤذية واتجهت إلى داخلي..
رأيت.. كان نورا ساطعا يحدق بي ويفتح لي الآفاق، فأعيش خيالا رفيعا وعاليا في بهجته، كنت أجوز كل شيء وأعبر كل ما تمنيت، فجأة رأيت زهرة شممت رائحتها لا مستها بقوة القلب.. فجأة اكتشفت أن عينا ثالثة وساحرة تعيش بي.. وأن بوسع هذه العين أن ترى أجمل ما في الوجود.
العين الثالثة : قلت: كم كنتُ عمياء..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق