الأحد، 28 نوفمبر 2010

شرفة الماضي


يرتبط المكان دائما لدينا بشيء ما يثير ذكرياته عندنا, فنحن نتذكر دائما عبر حافز يدعونا الى التذكر, وشرفة الماضي تبدو أكثر بهاء عندما نطلّ عليها عبر شرفة الحاضر, حينها تصبح الأطلال أشياء جميلة تتحرك أمامنا, وتبدأ مخيلاتنا برسم خطوط جديدة وأحداث لم تحصل, فنكتسب خبرات جديدة تماما, فنحن وعبر الخيال نستطيع أن نحصل على خبرات معيشية إضافية غير تلك الخبرات التي نحصل عليها في الحياة اليومية, فالخبرة الخيالية خبرة إضافية تضاف الى معرفتنا بالحياة.
لهذا تبدو الروايات واقعا فعليا من حيث هي خيال, فالرواية تمنحنا فرصة اختبار حياة جديدة لبشر آخرين, وتمنحنا فرصة اكتشاف أماكن لم تطأها أقدامنا. فالروائي لا بد أن يرسم عبر روايته صورة للمكان التي تدور عليها أحداث شخوصه, ومن خلال هذا الرسم نطل نحن المتلقين على أمكنة جديدة وعوالم جديدة, نختبرها عبر الخيال, فتصبح جزءا من ذاكراتنا.
في السينما أيضا تصبح الأمكنة مألوفة جدا, وقد أرتبطت في أذهان المشاهدين العرب صورا عديدة من أحياء مدن مصر عبر الصورة التي نقلتها لنا الكاميرا, وعلى صعيد شخصي, أذكر أنني عندما زرت القاهرة لأول مرة, لم أشعر بأنني أزور مدينة جديدة, فالشوارع مألوفة, وصراخ الباعة والإزدحام في كل مكان, وصور المحلات والمقاهي كلها صور مطبوعة في الذاكرة لكنها, فجأة, أصبحت أمامي مادة حيّة.
الشيء نفسه حدث معي عندما ذهبت الى مدينة الاسكندرية كنت أتأمل الشوراع والبحر والكورنيش وكل تلك الصور التي رسمها كتاب من الاسكندرية مثل ابراهيم عبد المجيد وادوار الخراط, أو حتى كتاب وشعراء عاشوا في الاسكندرية مثل اليوناني كافافيس.
وقد استهل الروائي الاسكندراني ابراهيم عبد المجيد احدى فصول روايته "لا أحد ينام في الإسكندرية" بمقتطف من الحلاج يقول فيه: " قلوب العاشقين لها عيون ترى ما لايراه الناظرونا" ومن هذا المستهل كان الروائي يريد أن يرسم  للمدينة التي أحب الصور التي لا يمكن أن يراها العابر,  فالعين التي تعشق ترى ما لا يراه الناظر الحيادي.
هكذا نسوّر صور طفولاتنا بأبهى الألوان ونزينها, ولما نعيد رسمها تصير أكثر جمالا وتألقا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق