الاثنين، 29 نوفمبر 2010

محمود درويش

من ألبسك آخر أثوابك قبل أن تنام نومك الطويل؟ أي لون احتفى بفراشاتك وهي تتطاير؟ أي لون ذلك الذي مزقته الفراشات وهي تنتفض انتفاضتها الأخيرة متكئة على نوم أبدي؟ أكان أزرق بنفسجيا؟ أبيض كحلمك الأخير أم أخضر بلون أشجارك العالية؟
كيف امتدت يد الطبيب ليفتح صدرك، وكم من فراشات تطايرت في غرفة العمليات وهي ترعى نومك المسكون بهاجس اللحظات الأخيرة؟
من ذا الذي مسح الدم عن ثوبك؟ وأين هو ذلك الثوب؟ هل مشطوا شعرك في نعاسك وأنت تواجه قيلولة استحوذت عليك بسحرها فسحبتك وشدتك نحو الأعلى؟ وكيف هي روحك الآن؟ كيف تكون روح الشاعر حين تستسلم للطيران؟
كم قصيدة كتبت في سفرك وأنت بأنة مذعورة تُطلق النداء الأخير؟
أي لون ذاك الذي تركته فراشاتك وهي تخط بأجنحتها قمصانك المعلقة في غرفة العمليات؟ أي أثر ذلك الذي استدعته الألوان لتنتفض؟ وكم من فراشة؟ هل كان كل هذا البهاء بجناح واحد من فراشة مائلة؟ أكان كل هذا الأثر بجنح واحد يتوق إلى أبديته البيضاء؟ هل رأى الطبيب ما رأيت في نومك؟
كانت حورية تجلس وتبكي.. كانت تنتظرك وبين يديها القرآن وقميصك.. قصائدك أيضا بانتظارك هي والكلمات التي تتطاير في بيتك وحول كرسي جلوسك..
هل فكرت بحورية أمك التي قلت أنك تخاف لو مت من دمعها؟ حورية التي تجلس الآن ومعها صورتك الأخيرة وأنت تقبل أصابعها تاركا لها فراشاتك؟
كم من قصيدة لم تكتبتها بعد؟ وكم من حلم استبقك إلى الطيران فما أمسكت به؟ كم من كلمة وبحر؟ وكم من مساء تركته لينام غريبا في بيتك؟
أثر الفراشة يا محمود يلتمع كما لم تتخيل أبدا.. يترك في الفضاء أجنحته المائلة ولا يبارح الضوء.. أثر طالع يباهي بحضور أبدي لا يُمحى..
أثر فراشتك يا محمود يفتح الشبابيك ويخط قوس قزحه في أزرق السماء تاركا الكلمة الأخيرة والبيرق الأخير..
أثر فراشتك يا محمود يحمل علبة الألوان ويمضي بصحبة الأزهار.. يخط اسمك هناك وهنا.. يمسح الدموع في حضرة غيابك.. أنت الذي قلت على قدر خيلي تكون السماء.. إذن افتح السماء واطلق خيولك من هناك.. أنت حيثما حللت ستكون في رعاية الورد.. ليس من ورد أقل.. بل ورد كثير يحيط بنومك.. فلا تخف..
نم أنت سنحرس نحن نومك..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق