الاثنين، 29 نوفمبر 2010

اسئلة معلقة كالذبائح

منذ أكثر من عشر سنوات أمسكت بين يدي ديوان «صمت قطنة مبتلة».. للشاعرة فاطمة قنديل، لم يكن اسمها جديدا علي، كان شيء ما يربطني بتجربتها، حبل سري يعقد لغة بيني وبين ما كتبته وكنت بشغف أتابعها من منطلق أنثوي أولاً، لكن هذا المنطلق سقط بعد «صمت قطنة مبتلة» لتصبح فاطمة قنديل طريدتي شعرياًً لشاعرية عميقة يتداولها نصها.تغيب طويلا، لا تصمت لكنها تغيب في كل مرة لتتفجر مجدداً، كأنما غيابها يصبح معادلا لوجودها الحياتي، كأن بها تغيباًًًً لتصبح أكثر حضورا ولتلين كلماتها أو ربما لتتصلب أحرفها وهي تشد بتجربتها نحو آفاق جديدة تخترقها. وبرغم مرور سنوات طويلة بين صدور «صمت قطنة مبتلة» وصدور «أسئلة معلقة كالذبائح» إلا أن قطنة فاطمة لم تزل ندية ولم تجف أبدا..
على الغلاف الأخير من مجموعتها تعلن قنديل بوضوح تام علاقتها مع الأشياء، لا تتوارى خلف أقنعة اللغة، ولا تستبد بها، تجلس في وسطها تماما، وهي تعرف ما يمكن أن تمنحه اللغة لها، تصبح الكراسي والمشاجب والمتعلقات الكثيرة كائنات حية تعتاش من أصابع الشاعرة، تماما مثل الشخوص التي تعبر نصوصها أو تقيم فيها.لقنديل قدرة فائقة على أنسنة كل ما يمر تحت مجال نظرها، فالكرسي الذي لم تجلس عليه طويلا كي يدفأ، وانفراجة الباب التي لا تعني مطلقا أن الباب مندهش، وخشونة الجوال وأشياء كثيرة أخرى كلها تصبح في حالة حركة حيوية في قصيدة الشاعرة، ولأنني لا أستطيع أن أفصل بين تجربتي في قراءتها وتجربتي في معرفة الشخص، التفت إلى فاطمة وهي تداعب مقود سيارتها بحنان وتقول له "آسفة أتعبتك اليوم".
وفاطمة التي تؤنسن الأشياء الجامدة، تؤنسن أيضا الروائح وتجعل لها حياة مستمرة، ويمتد فعل الأنسنة عند الشاعرة ليحيط أيضا بالحيوات لأنها تعطيها مزيدا من الدفق الروحي وتمنحها دفئا خاصا حتى لنخال أن من رحلوا لم يرحلوا فعلا، لأنها تؤنسن حتى فعل غيابهم فتدخلهم غرفها الكثيرة وتضيء بأرواحهم كلماتها: «جسد وحيد هناك، جلس ذات ليلة يتحسس جدرانه وربما كاد يبكي لكنه استخف بالبكاء، تحرك عاريا أمام مرآة بطول الجدار، خدشها، لكنه لم يبصر خلفها أي شيء، ربما لهذا لم يفهم سر وحدته، ربما فهم لكنه أراد أن يختبئ تحت منضدة الطعام العريضة يسمعهم وهم ينادون عليه». وربما نجوز من هذه الإشارة إلى فهم علاقة الشاعرة بالوحدة تلك التي تؤطر حياتها، وحينما نسألها عن وحدتها ترد: لست وحيدة وبين أصابعي كل شيء، إذ إن حيوات متعددة تعايش الشاعرة في مجتمعها، ألم تقل إميلي ديكنسون ذات يوم: «الروح تختار مجتمعها ثم تغلق الباب".
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق